كتبت: هبة شوقي
إذا كان للفن رجالٌ يكرّسون حياتهم لمعانيه العليا، فإن نبيل الحلفاوي كان واحدًا منهم، إن لم يكن أبرزهم. لقد كان رجلًا يُحسن حمل رسالته، ويمضي بها في طريقٍ مستقيم، لا تغريه ضوضاء الشهرة ولا تُغويه بهرجة الأضواء. كان فنّه انعكاسًا صادقًا لروحه، وروحه تجسيدًا نقيًا لإنسانية لا تعرف التكلّف.
وُلد نبيل الحلفاوي في حي السيدة زينب يوم 22 أبريل 1947، الحي الذي يختصر تاريخ مصر في شوارعه وحكاياته. نشأ في كنف عائلة مصرية بسيطة، ولكنّ أحلامه كانت أكبر من واقع الأيام. درس التجارة، لكن قلبه قاده إلى عالم الفن، حيث وجد في المسرح ضالته، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ليبدأ رحلته التي لم تكن مجرد مسيرة مهنية، بل مشروعًا فكريًا وفنيًا ساميًا.
الإبداع المسرحي والدرامي.. بصمة مميزة لا تُمحى
حين تقف أمام مشاهد نبيل الحلفاوي، لا ترى ممثلًا يؤدي دوره وحسب؛ بل ترى روحًا تنبض بالحياة في كل شخصية. لقد كان المسرح أولى محطاته، وهناك أدرك أن الفن ليس تسليةً عابرة، بل وسيلة لتشكيل الوجدان. حمل هذا الإدراك معه إلى الشاشة الصغيرة والسينما، حيث قدّم أعمالًا رسخت مكانته كأحد أهم فناني جيله.
الأعمال الدرامية: تأريخ للواقع المصري
كان مسلسل رأفت الهجان أحد أبرز المحطات في مسيرته، حيث جسّد البطولة الوطنية بكل صدق وإبداع، ليصبح العمل جزءًا من ذاكرة الشعب المصري. وفي زيزينيا، نجح في نقل معاني الصراع الاجتماعي والتنوع الثقافي، بينما حملت أعمال أخرى مثل ونوس ودموع صاحبة الجلالة عمقًا فكريًا خاصًا به.
الأعمال السينمائية.. رسائل فنية خالدة
في السينما، تألّق الحلفاوي في أفلام جسّدت قضايا الوطن والإنسان، ومنها:
الطريق إلى إيلات: حيث قدّم صورة بديعة عن بطولات البحرية المصرية في حرب الاستنزاف.
وقيدت ضد مجهول: الذي استعرض فيه صراعات النفس والعدالة.
الأوباش وثمن الغربة: أعمال تحمل رسائل اجتماعية وسياسية عميقة.
العميل رقم 13: حيث برزت موهبته في تقديم أدوار متعددة الأبعاد.
أعماله التلفزيونية الخالدة
محمد رسول الله: أولى إطلالاته التلفزيونية التي لفتت الأنظار إلى موهبته.
غوايش: الذي رسّخ مكانته في قلوب المشاهدين.
بنات زينب، الحب وأشياء أخرى، سور مجرى العيون: أعمال متنوعة في مضمونها وأدوارها.
خصال الحلفاوي.. بين الفنان والإنسان
لم يكن نبيل الحلفاوي ممثلًا تقليديًا، بل كان رجلًا يعيش ما يقدّمه. كانت البساطة عنوان حياته، والتواضع شعاره الدائم. لم يكن يسعى للصدارة، بل كان يترك أعماله تتحدث عنه، وهي أعمالٌ تفوح بصدق التجربة وعمق الإحساس.
يشهد له زملاؤه في الوسط الفني بحرصه الدائم على دعم المبدعين الشباب، وبكلماته التي تبعث الأمل في القلوب. كانت حياته مثالًا للإنسانية، وموته درسًا في الصبر والسكينة.
صراع مع المرض وصمت النبلاء
في أيامه الأخيرة، صارع الحلفاوي المرض بصبرٍ نبيل. لم يشأ أن يُثقل على محبيه بتفاصيل ألمه، مكتفيًا بالدعاء الصادق الذي أحاطه به زملاؤه وأصدقاؤه. رحل كما عاش، في هدوء يليق بالكبار، تاركًا خلفه إرثًا من الأعمال التي ستبقى شاهدةً على عبقريته.
كانت آخر إطلالاته الفنية في فيلم تسليم أهالي عام 2022، حيث ظهر كضيف شرف، وكأنما كان ذلك وداعه الفني لجمهور أحبّه وأحبّه.
نبيل الحلفاوي: اسمٌ خالد في الذاكرة
قد يغيب الحلفاوي عن عالمنا، لكنّ روحه ستظل حاضرة في كل مشهد، وفي كل عمل قدّمه بحب وإتقان. إنّ سيرته ليست قصة نجاح فني وحسب، بل درسٌ في الإخلاص والإنسانية، سيظل حاضرًا في وجدان كل من عرفه أو تأثر بفنه.
لقد كان نبيل الحلفاوي فنانًا بحجم وطن، عاش من أجل الفن والإنسان، ورحل وهو على عهد العطاء. لم يكن ممثلًا فحسب، بل كان مدرسة في الأداء والالتزام والإنسانية، مدرسةٌ لن تُغلق أبوابها أبدًا.