أون مصر- تقرير
منذ صدور قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 يرى كثيرون تعقد أزمات الأسرة المصرية خاصة مع سيولة قضايا الطلاق وما يتبعها من ازمات الحضانة والنفقات.
ويعد تطور قانون الأحوال الشخصية والتعديلات المتتابعة على تشريعات الأسرة من أبرز الإسقاطات التشريعية للبرلمانات السابقة على واقع المجتمع المصري بنما حمله من معاناة تقاضي عقب إنهاء وجود المحاكم الشرعية وحتى سن قانون خاص بإنشاء محاكم الأسرة.
قانون الأحوال الشخصية يوجه تمرد مجتمع
وواجه قانون الأحوال الشخصية الحالي اعتراضات مجتمعية واسعة لأكثر من عقدين حتى ظهرت حملة تمرد ضد قانون الأسرة وغيرها كرد فعل على سلبياته.
وفي مواجهة قانون الأحوال الشهصية ظهرت الحملة قبل 14 سنة تقريبا، لكن فى التاسع من أغسطس عام 2021 أعلن الدكتور حازم الزهيري وفاة رفيقه دربه فى تأسيس حملة تمرد ضد قانون الأسرة الدكتور محمد الوقاد عضو المجلس المصري التصديري وأستاذ إدارة الأعمال بجامعة موناكو، عقب فترة مرضية قصيرة بتداعيات ما بعد الإصابة بفيروس كورونا.
مثل تاريخ وفاة الدكتور محمد الوقاد نقطة فاصلة في تاريخ حملة اجتماعية نشطة إلكترونيا وعلى الأرض فى مواجهة سلبيات قانون الأحوال الشخصية، حيث طالبت منذ العام 2010 بتعديل سن الحضانة لأطفال الطلاق ليعود بين 7 و 9 سنوات، وتطبيق نظام الاستضافة وبعده نادت بتطبيق الرعاية المشتركة للطفل بين أبويه وأهليتهما، وإلغاء تعديلات إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية والتي سمحت بتمرير التطليق مخالعة عبر الأحكام القضائية.
تمرد ضد قانون الأسرة تشتبك مع قضية الطلاق والحضانة
شاركت حملة تمرد بعدد من الفعاليات واشتبكت مع قضايا المجتمع الشائكة في هذا الخصوص، بعد تفاقم أزمات الأسر المصرية وارتفاع معدلات الطلاق فى مصر بنسب عالية رصدتها التقارير السنوية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وبدت كنوع من المقاومة لتوجهات مجالس ومنظمات نسوية تشجع على المزيد من المكتسبات للمرأة المطلقة، وهى التوجهات التي رأتها الحملة نوعا من التحريض على الطلاق وإظهارا لمشروع الزواج الديني الاجتماعي على أنه مشروع ربحي لشريحة من النساء.
فالمطلقة بحسب حملة تمرد ونشطاء مجتمعيين، تحصل على الأبناء ومعهم شقة الزواج بالتمكين ، ومنقولاتها بحكم كتابتها كأمانة لدى الزوج، والولاية التعليمية المنفردة، والنفقات المتعددة والمستحدثة لأسباب شتى، بجانب حضانة أبدية للأطفال تتبعها عملية تخييرهم أمام القضاء عند الخامسة عشرة بين آبائهم وأمهاتهم، ولا تتنازل المرأة عند الطلاق مخالعة إلا عن مقدم ومؤخر المهر المقرر بعقد الزواج ونفقتي العدة والمتعة، لكنها تحصد في بعض الحالات هبات وهدايا وأموال أخرى تحصلت عليها بوصفها زوجة للرجل، لا يمكنه استعادتها إذا ما وقع التطليق عبر المحاكم دون حضوره أو علمه، فيما يسمى بـ “الطلاق الأمريكاني”.
إلى جانب شخصيات حملة تمرد التي برزت فى مواجهة سلبيات القانون، ومنهم المحامون علاء السنوسي ومصطفى كرم والمتحدث باسم الحملة طارق الجارحي وخبيرة التنمية البشرية مروة خلاف وغيرهم، ظهرت شخصيات اجتماعية عديدة تواجه سلبيات القانون بطرق مختلفة، أبرزهم أحمد عز الذي يعتبر أبرز المتحدثين باسم الآباء المضارين من قانون الأحوال الشخصية، والدكتور أشرف تمام المدير الأسبق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بنجلس الوزراء، والمحامي علاء مصطفى ، وأيضا الناشط الاجتماعي سعيد العرباوي، وجميعهم ظهروا معارضين لسلبيات القانون ومحذرين من تشريع جديد يؤدى إلى المزيد من الأزمات المجتمعية ويهدر قيمة الزواج لدى الشباب.
انحسار وجود حملة تمرد
وفى الآونة الأخير انفرط عقد حملة تمرد ضد قانون الأسرة، خاصة بعد رحيل الوقاد وابتعاد أغلب متحدثي الحملة عن أي أنشطة غير فيسبوكية، لأسباب شتى أرجعها البعض لغياب حوار مجتمعي حقيقي حول مستقبل الأسرة المصرية وتوجيه التشريع من جانب واحد وتأثير المجالس النسوية في إصدار القانون، بجانب الضغوطات الاقتصادية على مسؤولي الحملة وأعضائها وهم من الرجال المطلقين الذين يواجهون صعوبات وملاحقات في قضايا نفقات متعددة على الأغلب.
لكن نشاط الحملة ظل مستمرا عبر صفحات إلكترونية تتابع القضية وتستقبل استفسارات المضارين من القانون ، كما تحمل صفحة تمرد سيدات مصر ضد قانون الأسرة معاناة الجدات والعمات والأمهات غير الحاضنات إلى المسؤولين عن صياغة التشريع الجديد، ويتجاوز عدد متابعي صفحة “تمرد” نحو 172 ألف حساب إلكتروني.
مواجهات ضد نظام الرؤية ومطالبات بالرعاية المشتركة والاستضافة
فيما انشغل محامون كبار بقضية حماية مشروع الأسرة وأبرزهم عصام عجاج المحامي بالنقض الذي طالب دائما بتعديل تشريعي وأحكام قضائية تسمح بصلة الأرحام بين أطفال الشقاق والآباء غير الحاضنين ، عبر تطبيق الاستضافة ومبيت الطفل يومين أسبوعيا مع والده أو والدته غير الحاضنة.
كما انتقد عجاج وكثيرون نظام الرؤية الذي لا يتيح للطرف غير الحاضن لقاء أبنائه أكثر من 3 ساعات أسبوعيا بمراكز غير آدمية لا ترق لاحترام علاقة أبوية، مؤكدين أن هذا النظام تسبب في امتلاء المحاكم بقضايا جنائية عدة جراء مشاحنات ومكايدات بين أهلية الطفل من الجانبين، وتعنت الطرف الحاضن على الأغلب، وإشاعة جو من الكراهية ضد الآباء غير الحاضنين لدى أطفالهم.
ورغم مشاركة طارق الجارحى المتحدث باسم حملة تمرد ضد قانون الأسرة فى جلسات الحوار الوطني حول مستقبل الأسرة المصرية ومستقبل مشروع الزواج ومصير أطفال الشقاق في مصر، إلا أن شعورا بالإحباط أصاب الجميع جراء بيانات رسمية صادرة عن أمانة الحوار ولجانه أو عن كيانات نسوية أو رسمية بشأن القانون الجديد للأحوال الشخصية، والذي روجت له تقارير مؤكدة أنه سيسمح بحضانة أبدية للأطفال لدى النساء المطلقات مع جواز معيشتهم لاحقًا مع أزواج الأمهات، وتطبيق ما قيل أنه رأي فقهي قديم تم إحياؤه بشأن الكد والسعاية واقتسام أموال الزوج عند الطلاق.
تقارير مرعبة للطلاق عن جهاز الإحصاء
في الثالث من أكتوبر عام 2023 3 كشف تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن عدد حالات الطلاق بلغت 269834 حالة خلال عام 2022، مقابل 254777 حالة عام 2021 بنسبة زيادة قدرها 5.9٪، وذلك وفقا للنشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق لعام 2022.
وبحسب التقرير فإن إجمالي عدد حالات الطلاق بلغ في الحضر 156278 حالة عام 2022، تمثل 57.9٪ من جملة حالات الطلاق، مقابل 144305 حالة عام 2021 بنسبة زيادة قدرها 8.3٪.
الرئيس السيسي : وصول نسب الطلاق إلى 44% مؤشر على قضية خطيرة في المجتمع
وشغلت قضية استقرار الأسرة بال القيادة السياسية وحذر الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية من تداعياتها، مؤكدا فى أحد المؤتمرات من وجود نحو 15 مليون طفل طلاق مباشر أو غير مباشر، منوها إلى التشريعات ودورها في علاج الأزمة خلال المؤتمر الدزري السادس للشباب قبل نحو 5 سنوات.
لجنة إعداد القانون الجديد تعلن عن ملامحه
وأظهر المستشار عبد الرحمن محمد رئيس لجنة وزارة العدل لإعداد قانون الأحوال الشخصية الجديد، أبرز ملامحه، مدافعًا عن توجهات اللجنة فيما يتعلق بصياغته ومحاولات سن قانون عادل، لكنه أكد أنه لم يتدخل في صياغة مشروع قانون غير المسلمين.
وأكد أنه لن يعود إلى المذهب الحنفي إلا في أضيق الحدود، على أن يعالج القانون الجديد كافة قضايا الزواج بداية من الخطبة وحتى النفقات والحضانة، بجانب إنجاز سرعة التقاضي أمام المحاكم، لافتا إلى اجتماعات دورية مع وزير العدل في هذا الخصوص، ثم طرح القانون على حوار مجتمعي.
لا تراجع عن مكتسبات سابقة للنساء
لكن دائما ما كانت رئيسة المجلس القومي للمرأة الدكتورة مايا مرسى تؤكد على أنه لا تراجع ولا انتقاص لمكتسبات سابقة للنساء في أي قانون جديد للأحوال الشخصية، خاصة سن الحضانة والخلع، مكررة حديث وزير العدل عن أنه سيكون قانون إجراءات وأن نسبة الطلاق في مصر لا تزيد عن 3 % ، مع وضع صندوق لحماية الأسرة من تداعيات الطلاق على كافة المستويات.
ويظل المجتمع المصري مشغولا بأزمات الأسر والعائلات حتى صدور قانون جديد ، لكن يبدو أن رد الفعل قبل أية إجراءات كانت حملات اجتماعية محذرة منها، سيكون محدودًا ، خاصة مع نمو أسباب العزوف عن التعاطي مع الملف ذاته لدى كثيرين من النشطاء المجتمعيين، وغياب مجالس ومنظمات تعمل على حماية أفراد الأسرة مجتمعين وتدافع عن استقرار مشروع الزواج وتدعو له، فرغم الدعوة لإنشاء مجلس قومي للرجل إلا أن التحمس لها جاء محدودًا ن بينما دعا الدكتور أشرف تمام وآخرون لإنشاء المجلس القومي للأسرة المصرية ، وهي الدعوة التي لاقت تفاعلا كبيرا دون أثر واقعي لها لأسباب تتعلق بالطبيعة القانونية للكيان الذي لو تواجد على الأرض فعليًا لأوجد الفارق بحسب كثيرين.