بقلم صلاح عبد الرحيم
في المدينة التي أعيش فيها حاليا، تحمس قادة المجتمع لتشغيل مشروع السيرفيس بهدف مواجهة المشاكل التي تنشأ من جشع قادة التوكتوك.. المدينة قديمة وكبيرة وضيقة، كانت منذ 60 عاما هي المديرية شخصيا، لكنها باتت الأن قرية صغيرة، قرية صغيرة مترامية الأطراف كما لو أنها العالم نفسه.
المهم أن السيرفيس في تلك المدينة واجه تحديات كبيرة، رغم أن التوكتوك نفسه صغير، وهو سبب المشكلة التي كان على السيرفيس الكبير أن يحلها.. هكذا كل شيئ في الحياة، يعملها الصغار ليقع فيها الكبار.
السرفيس حتى الآن لم ينجح، لكن نائب المدينة وعموم الصعيد، ورئيس المدينة ونائب المحافظ والمحافظ شخصيا، وربما غيرهم من القيادات الذين لا علم لنا بهم يريدون لهذا المشروع أن ينجح.
ما العمل.. هل نأخذ من كل رجل ميكروباص؟!
ظل القادة يفكرون ويفكرون. يبحثون ويتناقشون ويقترحون. الجميع يؤيدون السيرفيس ويريدون وضع حد لجشع التوكتوك “الدنيا صارت صعبة، المواطن يئن. يجب أن نخفف عنه”.. هكذا قال أحدهم وهو يشعر بالقلق، كتب على فيسيوك أيضا أنه يشعر بالقلق، حصد مئات اللايكات لأنه يشعر بالقلق، ربما يريده أصحاب اللايكات أن يشعر بالقلق فعلا، لكن من بين أصحاب اللايكات هؤلاء خرج أحد الشلايين ليقترح إخلاء الطريق حتى يتسع لمرور السيرفيس. وأوضح متحمسا “يجب ابعاد الباعة الجائلين عن جانبي الطريق حتى يتسع لمرور السيرفيس.. السيرفيس مزنوق”.
انتبه المحافظ لهذا الاقتراح، وسأل عن حقيقة وجود باعة جائلين أصلا يعطلون السيولة المرورية ويزنقون السيرفيس إلى هذا الحد. فكر المحافظ أن ينزل إلى تلك المدينة بنفسه. أحدهم اقترح عليه ألا ينزل هو بنفسه. المدينة بها عدد لا بأس به من الشلايين. سيهاجمون وينتقدون. وليس بينهم وبين رئيس المدينة عمار، وكذلك ليس بينهم وبين الجمهور إلا كل سوء فهم وتفاهم. التفت المحافظ إلى نائبه الشاب، ابتسم نائبه الشاب وانصرف في هدوء.
استقل النائب الشاب السيارة المخصصة لمداهمة المخالفين. المخالفين عددهم كبير. أكثر من الشلايين. لم يعرف السائق إلى أين هو ذاهب. لكنه قال في نفسه: “لا بأس. الطريق طريق الحكومة والسيارة سيارة الحكومة. ونائب المحافظ هو الحكومة”.
المهم. ادخل يمين.. خد شمال.. وجد السائق نفسه في المدينة التي أعيش فيها. نزل نائب المحافظ وتفقد الأحوال. وشعر بالقلق أيضا. لكنه لم يكتب على فيس بوك أنه شعر بالقلق. ولذلك لم يحصد اللايكات.
مرت أيام قليلة. توالت النقاشات والجميع يفكرون ويفكرون. لا حس لهم ولا خبر. هل أغلقوا صفحاتهم على فيسبوك؟! الله أعلم. لكن في اليوم الموعود استيقظ الناس في المدينة ودخلوا الفيسبوك. وفي الداخل تفاجئوا بصورة قائد جديد يرتدي الزي الأبيض المميز. ويبتسم. كانت ابتسامته غير مريحة. لكنها حصدت اللايكات والدعوات والتبريكات. لقد عينت الحكومة لتوها قائد جديد حتى يفرض الانضباط في الشارع. ولهذا قال أحد الشلايين مبتسما: ” اديهم في الانضباط يا فننس”.
ربما لا أحد يعرف من فننس سوى من يتذكرون فيلم “الكيف” للسيناريست المبدع محمود أبوزيد. والفنان الجاحد محمود عبدالعزيز. شخصيات الحياة من وجهة نظري تتمثل في فيلم الكيف هذا. الجميع كييفه. الكل آلاتيه، مغنيين، عازفين، أو شمامين، أو تجار صنف من بين مليون صنف وصنف، أو غيرهم من شخصيات الفيلم. والحياة كذاك أيضا. قد تكون مجرد أغنية. تشبه أغنية “الكيمي كا”.. لكن كلماتها هذه المرة تقول: “بلاها سيرفيس.. خد انضباط”.
لقد صار الحال كله هكذا، الكل يغني، العالم نفسه يغني، هذا المقالة طريقة أيضا في الغناء لكنها تختلف عن الطريقة التي كان يغني بها سائق توكتوك بينما يقلني إلى مقهى حمدي أبوجنيدي، وهو يتقمص دور المغني “كزبرة” وهو يغني أغنيه “على الطلاق كله بيكدب”.