نيويورك- وفا
عقد مجلس الأمن الدولي، أمس الجمعة، جلسة لبحث الوضع في غزة، في أعقاب قتل قوات الاحتلال الإسرائيلي 7 من عاملي الإغاثة في “منظمة المطبخ المركزي العالمي”.
واستمع المجلس إلى إحاطتين من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ورئيسة منظمة “أنقذوا الطفولة” بالولايات المتحدة.
وقال مدير التنسيق في (أوتشا) راميش راجاسينغهام إن “أحداث الأسبوع الماضي وحدها هي دليل على الوحشية غير المعقولة للصراع في غزة، والذي تسبب حتى الآن في مقتل أكثر من 32 ألف شخص، وإصابة أكثر من 75 ألفا- ما لا يقل عن ثلثي هؤلاء الضحايا هم من النساء والأطفال”.
وأشار إلى أن حادثة قتل عمال الإغاثة في المطبخ المركزي العالمي، في الأول من نيسان/أبريل لم تكن مجرد مأساة لعمال الإغاثة القتلى ولعائلاتهم وأصدقائهم، “بل كانت أيضا مأساة لسكان غزة”. وقدم التعازي لأسر وأصدقاء هؤلاء الأشخاص “الشجعان المتفانين، الذين كانوا هناك لمساعدة إخوانهم من بني البشر في وقت حاجتهم”.
وقال المسؤول الأممي “من المؤسف أننا لا نستطيع القول إن هذا الهجوم المأساوي كان حادثة منفردة في هذا الصراع، مشيرا إلى أن القتلى ينضمون إلى أكثر من 220 من زملائنا في المجال الإنساني الذين قتلوا- 179 منهم من موظفي الأمم المتحدة”.
وقال إن الافتقار إلى الحماية -الذي لا يمكن إنكاره- لبعثات الإغاثة قد أجبر المطبخ المركزي العالمي ومنظمة إغاثة أخرى على الأقل وهي منظمة “أنيرا” غير الحكومية على تعليق عملياتهما، وتقوم المنظمتان بتزويد مئات الآلاف من الأشخاص في غزة بالطعام كل أسبوع، ومن غير الواضح متى ستستأنفان عملهما.
وتابع: “ستة أشهر من الموت والدمار والحرمان والصدمة والمعاناة التي لا يمكن تصورها لأهل غزة. ستة أشهر تضع إنسانيتنا الجماعية وأولوياتنا موضع تساؤل”.
بدورها، قالت سويربتو، إن 14,000 طفل قتلوا في هذا الصراع “دون داع وبعنف، وفُقِد آلاف آخرون، ويفترض أنهم مدفونون تحت الأنقاض”.
وأكدت أن عدد الأطفال الذين قتلوا في هذا الصراع أكبر من عدد الأطفال الذين قُتلوا في جميع النزاعات المسلحة على مستوى العالم خلال السنوات الأربع الماضية.
وقالت سويريتو عن زيارتها الأخيرة لقطاع غزة إن أول ما لفت انتباهها هو عدد الأطفال الذين لا يرتدون أحذية وسط الزجاج والركام، مضيفة “إنهم يركضون في كل مكان بحثا بيأس عن الطعام والماء لأنه لا يُسمح بدخول ما يكفي إلى غزة. إنهم يعانون من سوء التغذية بشكل واضح ويحتاجون إلى الغذاء”.
ونبهت إلى أنه إذا استمر العالم في السير “على هذا المسار، أي انتهاك جميع أطراف النزاع بشكل صارخ لقواعد الحرب والقانون الدولي الإنساني، وعدم المساءلة على الإطلاق، ورفض الدول القوية استخدام أدوات النفوذ المتاحة لها، فإن المجموعة التالية من الوفيات الجماعية للأطفال في غزة لن تكون بسبب الرصاص والقنابل، بل بفعل الجوع وسوء التغذية”.
وقالت إن سوء التغذية الحاد ليس موتا هادئا أو غير مؤلم، “فعندما يجوع الأطفال تضعف أجسادهم، وتضمر عضلاتهم، وتتشوش الرؤية، وتفشل أجهزة المناعة، وتفشل الأعضاء، وتتوقف القلوب. في هذه المرحلة، يكون الأطفال أضعف من أن يبكوا”.
وأضافت “امنحوا العاملين في المجال الإنساني إمكانية الوصول الآمن ووقف إطلاق النار، وسنتمكن من إنقاذ الأرواح”.
ولفتت إلى أن ما شاهدته وسمعته في غزة “كان مهينا للإنسانية، ليس فقط بالنسبة لسكان غزة. إنه أمر يجردنا جميعا من إنسانيتنا، إذا وقفنا مكتوفي الأيدي وسمحنا بحدوث ذلك”.
وأشارت إلى أن الجالسين في قاعة مجلس الأمن يملكون الأدوات اللازمة لمعالجة هذه الأزمة، لكنهم يفتقرون فقط إلى الإرادة السياسية لاستخدامها.
وقال السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع إن “الجريمة التي اقترفت بحق موظفي المطبخ المركزي العالمي لم تكن مفاجأة وليست استثناء. واقتبس ما قاله مؤسس المطبخ المركزي العالمي خوسيه أندرس إن الهجوم استهدف الموظفين “بصورة منهجية، عربة تلو أخرى”.
ووصف السفير الجزائري الحادثة بأنها “فصل جديد في كتاب الجرائم المرتكبة”، مشيرا إلى أن الضحايا ليسوا فلسطينيين وأن قتلهم الوحشي يستحق الإدانة، على قدم المساواة. وقال إن التغطية الإعلامية الكبيرة والغضب في أعقاب مقتل عمال المنظمة لن يكون لهما ما يبررهما إذا لم يكونا مساويين للغضب على قتل المدنيين الفلسطينيين.
وأضاف: “هل ينبغي لنا أن ننسى أن القوة القائمة بالاحتلال قتلت أكثر من 33 ألف فلسطيني- 70 في المائة منهم من النساء والأطفال- منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر؟ هل لنا أن نتذكر أن 224 عامل إغاثة قتلوا بواسطة القوة القائمة بالاحتلال منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر؟ هل ينبغي لنا أن نتذكر أن 484 عاملا صحيا قتلوا منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر؟”
من جانبه، قال المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور إن الآباء والأمهات في غزة يحسبون أمد هذه الحرب بالدقائق والثواني المؤلمة، حيث دمرت إسرائيل المنازل، وقتلت عائلات بأكملها، وشردت جميع السكان، وهدمت المستشفيات، وبذلت كل جهد لضمان عدم وصول أي مساعدة إلى شعبنا.
وقال إن إسرائيل، سلطة الاحتلال، تقتل من يشفي، ومن ينقذ، ومن يقدم المساعدة والإغاثة، ومن يطعم، ومن يبلّغ، فأن تكون فلسطينيا يكفي لأن تُقتل، إن محاولة مساعدة الفلسطينيين تكفي للقتل.
وشدد على أن قتل عمال الإغاثة من المطبخ المركزي العالمي ليس حادثة معزولة، مضيفا أن من المؤسف أن الأمر احتاج إلى مقتل أجانب حتى يعترف البعض بالمصير الذي كان مخصصا للفلسطينيين لمدة 180 يوما حتى الآن.
وقال: “لم يكن هذا هجوما على المطبخ المركزي العالمي فحسب، بل هو هجوم على المنظمات الإنسانية العاملة في أسوأ الأوضاع، حيث يُستخدم الغذاء كسلاح حرب. هذا أمر لا يغتفر”.
وتابع إن إسرائيل “بينما قتلت بقنابلها ورصاصها أكثر من 32 ألف فلسطيني وشوهت أكثر من 72 ألفا آخرين، حرصت أيضا على خلق مجاعة من صنع الإنسان”، فيما تتكدس أطنان من المساعدات على بعد بضعة كيلومترات فقط.
وأضاف: “من يستطيع أن يتحدث عن القيم المشتركة مع إسرائيل -التي ترتكب مثل هذه الجرائم- دون أن يلتهمها العار”.
وقال إن الجميع كان يعلم ما سيحدث قبل ستة أشهر، مضيفا أن “القادة الإسرائيليين أعلنوا الإبادة الجماعية وتم ارتكابها في وضح النهار”، واستدرك “لقد تم عرضها على شاشاتكم. لقد تمت مناقشتها في اجتماعاتكم. لقد تم حشد الكثير منكم لوقفها. ولكن لا تزال هناك أدوات لم يتم استخدامها، ولم يتم حتى النظر فيها”.
وأضاف: “إخفاقاتنا تعني موت المدنيين. ينبغي أن يكون هذا سببا كافيا بالنسبة لنا لبذل كل ما في وسعنا لإنهاء هذه المأساة”.