تشهد الولايات المتحدة أزمة غير مسبوقة تتعلق بالمهاجرين غير النظاميين، الذين لا يتوقف عبورهم للحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك بمعدلات قياسية، وتتهم ولاية تكساس، التي يسيطر عليها الجمهوريون، الحكومة الفيدرالية تحت حكم الرئيس جو بايدن الديمقراطى برفض أداء واجباتها بتأمين الحدود الجنوبية للبلاد، بما فيها حدود ولاية تكساس الممتدة على طول 2018 كيلومترا مع المكسيك، وهو ما سمح بدخول 7 ملايين مهاجر غير نظامي للأراضي الأميركية منذ وصول الرئيس بايدن للحكم.
وأمر حاكم ولاية تكساس التى تعتبر ثانى أكبر ولاية بعد ألاسكا قوات الحرس الوطني للولاية ببناء حواجز حدودية، ووضع أسلاك شائكة على الحدود لمنع تدفق المهاجرين الذين يرهقون المدارس والمستشفيات والبنية الأساسية في الولاية، ولجأت إدارة الرئيس بايدن إلى المحكمة العليا التي دعمت موقف بايدن وأصدرت أمرا ألغى بموجبه أمرا قضائيا لمحكمة الاستئناف الأدنى بولاية تكساس بمنع الضباط الفيدراليين من قطع حواجز الأسلاك الشائكة وإزالة الحواجز، وأقرت حق الحكومة الفيدرالية فى نزع الاسلاك الشائكة.
وعن موقف الولايات الأخرى، فقد أيد حكام 25 ولاية من الجمهوريين الإجراءات التي اتخذتها ولاية تكساس لتأمين حدودها، وتعهد حكام 10 ولايات بإرسال قوات من الحرس الوطني من ولاياتهم لدعم ولاية تكساس، واعتبروا أن هذه معركة من أجل مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية.
وأدى تصاعد الخلاف بين ولاية تكساس والحكومة الفيدرالية بسبب المهاجرين وإدارة الحدود، إلى تصاعد التخوفات من اندلاع حرب أهلية وانفصال تكساس عن الولايات المتحدة الأميركية، ومع قيام الرئيس السابق ترامب وحكام الولايات الجمهوريين بالتصعيد في مواجهة إدارة الرئيس بايدن، فقد تزايدت المخاوف والتوقعات من نشوب حرب أهلية قد تعصف بالبلاد.
وفى هذا الشأن، أعلن حاكم ولاية أوكلاهوما أن تواجد الموظفون الفيدراليون الذين يقطعون الأسلاك، وفى نفس الوقت تواجد الحرس الوطني لولاية تكساس الذي لديه أوامر بوضع الأسلاك قد يكون برميل بارود يؤدى الى التوتر، ويستخدم الجمهوريون قضية الهجرة باستمرار لمهاجمة خصومهم من الحزب الديمقراطي، ومن المتوقع أن تزداد حدة هذه الانتقادات مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث ويصر الجمهوريون على إجراء تغييرات في سياسة الحدود كشرط لتمرير المساعدات المتوقفة لأوكرانيا ولإسرائيل، في إطار حزمة مساعدات وأسلحة مقترحة بقيمة 110.5 مليارات دولار.
ويرى بعض المراقبين أن أصل المشكلة في ملف الهجرة غير الشرعية فى الولايات المتحدة معقد بسبب السلطة التشريعية في الولايات المتحدة الامريكية التى تميل للحلول الوسط.
وقد تتشكل مواجهة غير عادية بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات الجمهورية على حدود ولاية تكساس مع المكسيك، وهي معركة حول حقوق الولايات وسلامة المهاجرين الأمر الذي دفع العديد من المشرعين الجمهوريين إلى المبالغة في التوتر باعتباره حربًا أهلية ناشئة.
ويأتي الصراع وسط تدفق قياسي للمهاجرين عبر الحدود الجنوبية، وهو الأمر الذي من المؤكد أنه سيكون قضية رئيسية في السباق الرئاسي الامريكى هذا العام.
وتشير الأحداث الراهنة أن الأحداث تعبر عن اختلاف وجهات النظر بين الأمريكيين، ولا يصل الامر الى صراع سياسي أو عسكرى بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات، ومع ذلك نرى أن الجمر تحت الرماد وقد يكون ذلك بداية لاتساع دائرة الخلاف التى قد تؤدى فى المدى الطويل الى التفكك خاصة مع بداية ظهور ارهاصات نظام عالمى جديد تكون فيه الولايات المتحدة احدى القوى فى العالم وليست القوة الوحيدة المهيمنة وأيضا تبدأ مرحلة الرفاهة الاقتصادية للمجتمع الامريكى فى الانحسار تدريجيا.
وعن تداعيات ما يحدث اقتصاديا فنرى أن أمريكا مازالت متماسكة وبالتالى لن يظهر تأثير للأحداث على قوة الاقتصاد الأمريكي ومن ثم قوة الدولار إلا إذا تطورت الامور بشكل سريع قد يخرج عن سيطرة الحكومة الفيدرالية وإذا فاز الجمهوريون بالانتخابات المقبلة، وخاصة الرئيس السابق قد نتوقع سيناريوهات مختلفة.
هذا، وتعتبر إسرائيل هى الخاسر الأكبر فى حالة تدهور الاوضاع فى أمريكا حيث أن تواجدها مرتبط بقوة أمريكا ونتوقع بعد انتهاء الحرب على غزة أن يفكر قادة اسرائيل الجدد بأسلوب أكثر واقعية فى التعايش مع الجيران واقرار حق الدولتين، ويكون ذلك قمة الكياسة من قبل قادة إسرائيل لإن اطالة أمد الصراع حتما فى صالح الفلسطينيين.
وسواء استمرت أمريكا كقوة عظمى وحيدة أو قوة عالمية بين متعددين فان مصر ستستمر فى تسطير رواياتها المفضلة فى الاستمرار والثبات.
أما اقتصاديا، فإن سعر الدولار أمام الجنيه المصري يتوقف على الوضع الاقتصادي في مصر بجانب الضغوط الاقتصادية التي يمارسها الغرب على مصر، وأرى أن تستمر مصر في سياسات اعادة هيكلة الاقتصاد وحشد قوى المجتمع وتطبيق سياسات واقعية بعيدا عن النظريات فهي مفتاح تنمية شاملة ومستدامة.
الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر
خبير العلاقات الدولية – عضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة
القاهرة فى 29 يناير 2024