الشرق الأوسط
لم يكن مفاجئاً قرار اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التابعة لـ«الاحتياطي الفيدرالي» الإبقاء على أسعار الفائدة كما هي منذ يوليو (تموز) الماضي عند أعلى مستوياتها منذ 22 عاماً. فما كانت تترقبه الأسواق هو معرفة توقيت وعدد التخفيضات المرتقبة لهذا العام، بعدما أحبطت مستويات التضخم المسجلة أخيراً (3.2 في المائة في شهر يناير على أساس شهري) الآمال بخفض الفائدة في هذا الاجتماع وتوقع هذه الخطوة في يونيو (حزيران) أو ما بعده.
وبعد اجتماع السياسة الذي استمر يومين، قالت اللجنة إنها ستبقي سعر الفائدة القياسي للاقتراض لليلة واحدة في نطاق يتراوح بين 5.25 في المائة و5.5 في المائة.
وإلى جانب القرار، خطط مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي لثلاثة تخفيضات بمقدار ربع نقطة مئوية بحلول نهاية عام 2024، والتي ستكون أول التخفيضات منذ الأيام الأولى لجائحة «كوفيد» في مارس (آذار) 2020.
ويواجه «الاحتياطي الفيدرالي» تحدياً حول قدرته في الاستمرار في الضغط على نمو الأسعار من خلال ترك أسعار الفائدة عالية، وقدرته في منع ارتفاعات في معدلات البطالة وإثارة الركود في الاقتصاد الأميركي. وهو تحدٍ يتزامن مع الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يؤثر فيها وضع الاقتصاد على ميول الناخبين.
ولا يزال الكثير من الاقتصاديين يتوقعون أن يخفض «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة قبل نهاية العام الحالي لجعل سعر الاقتراض أرخص. وكانت التوقعات تشير إلى خفضين لأسعار الفائدة خلال عام 2024 إلى 4.9 في المائة، ويري الاقتصاديون أن شهر يونيو سيكون الموعد للخفض الأول في أسعار الفائدة.
مخاوف من سوء ترجمة الأهداف الاقتصادية
ويخشى مسؤولو «الاحتياطي الفيدرالي» من سوء ترجمة الأهداف الاقتصادية لـ«الاحتياطي الفيدرالي» واستغلالها سياسياً، حيث لا يرغب المسؤولون في «الاحتياطي الفيدرالي» في بدء دورة خفض أسعار الفائدة في الأشهر التي تسبق إجراء الانتخابات الرئاسية، وقد يتجهون إلى البدء في هذا التخفيض في يونيو المقبل بدلاً من سبتمبر؛ حتى لا يكون لذلك الإجراء شبهة التأثير على الانتخابات.
وتقول كاثي بوستيانسيك، كبيرة الاقتصاديين في «الاحتياطي الفيدرالي»: «إن المصرف مؤسسة غير سياسية، لكن تواجده في واشنطن يجعله غير محصّن ضد المحادثات حول الانتخابات، وتعرّضه للضغوط». وشددت على أن توجه «الاحتياطي الفيدرالي» لخفض أسعار الفائدة يحكمه البيانات الاقتصادية التي تقود هذا القرار وليست الضغوط السياسية.
تأثير الانتخابات
يعدّ ملف الاقتصاد ومدى الرؤية الإيجابية للناخب الأميركي حول وضع الاقتصاد أهم العوامل في تقرير اتجاهات التصويت في الانتخابات الرئاسية، وهي قضية تثير الاستقطاب على الأطياف السياسية كافة. ففي حين يقول الجمهوريين إن الاقتصاد في حالة سيئة، ويسلّطون الضوء على الارتفاعات في الأسعار والارتفاعات في مستويات التضخم، فإن الديمقراطيين يقولون إن الاقتصاد الأميركي ينمو ومعدلات خلق المزيد من الوظائف إيجابية.
وعلى الرغم أن «الاحتياطي الفيدرالي» غير سياسي رسمياً ولا يرغب في النظر إلى قراراته على أنها توثر على الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن الأنظار تتجه إليه قياساً إلى التوقيت الذي يقترب فيه من إعلان خفض أسعار الفائدة دون أن يؤثر ذلك على تقويض صدقيته.
لكن القضايا الاقتصادية المثارة في الانتخابات الرئاسية تلقي بظلالها بشكل كبير على توجهات «الاحتياطي الفيدرالي». فقضية ارتفاع معدلات الهجرة التي تشكل ملفاً ساخناً بين حملة الرئيس السابق دونالد ترمب – مرشح الحزب الجمهوري – وحملة الرئيس بايدن – مرشح الحزب الديمقراطية – يعدّه بعض الاقتصاديين ميزة ودافعاً لإبطاء معدل التضخم لأنه يزيد من المعروض من العمال ويفرض ضغوطاً على نمو الأجور.
ويقول الاقتصاديون إن المهاجرين لديهم ميل للعمل بأجور أقل واتساع نطاق العرض من العمال أكبر من الطلب يزيد من النمو الاقتصادي.
ويتعرض «الاحتياطي الفيدرالي» لضغوط من السياسيين، حيث انتقدت السناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن من ولاية ماساتشوسيس صدور قرارات «الاحتياطي الفيدرالي» قبل الاجتماعات السياسية الوطنية للحزبين في يوليو وأغسطس المقبلين، والتي أشارت إلى أنها سيكون لها تأثير على تلك الاجتماعات.
لاجارد: «المركزي الأوروبي» لا يمكنه الالتزام بمسار الفائدة حتى بعد الخفض الأول
فيما قالت رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، الأربعاء، إن المصرف المركزي الأوروبي لا يمكنه الالتزام بعدد محدد مسبقاً من تخفيضات أسعار الفائدة، حتى بعد أن يبدأ خفض تكاليف الاقتراض؛ لأن ذلك سيعتمد على البيانات الواردة.
وأعرب عدد من صُناع السياسات في المصرف المركزي الأوروبي عن دعمهم الخفض الأول لتكاليف الاقتراض من أعلى مستوياتها القياسية الحالية، على الأرجح في يونيو (حزيران)، مع تركيز المناقشة الآن على عدد التخفيضات الإضافية التي قد يتبعها، وفق «رويترز».
لكن يبدو أن لاجارد حاولت تخفيف مثل هذه التكهنات، يوم الأربعاء، حتى مع اعترافها بأن البيانات الواردة حول الأجور والتضخم كانت مشجعة. وقالت، في مؤتمر بفرنكفورت: «قراراتنا يجب أن تظل معتمدة على البيانات وكل اجتماع على حدة، والاستجابة للمعلومات الجديدة عند ورودها». وأضافت: «هذا يعني أنه حتى بعد التخفيض الأول لسعر الفائدة، لا يمكننا الالتزام مسبقاً بمسار سعر معين».
وانخفض التضخم في منطقة اليورو من نسبة مئوية مكونة من رقمين، خلال خريف عام 2022، إلى 2.6 في المائة، الشهر الماضي.
وحددت لاجارد الشروط اللازمة لكي يبدأ المصرف المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة؛ وهي: تباطؤ نمو الأجور، واستمرار انخفاض التضخم، والتوقعات الداخلية الجديدة التي تؤكد أن نمو الأسعار يعود إلى هدفه البالغ 2 في المائة، فـ«إذا كشفت هذه البيانات عن درجة كافية من التوافق بين مسار التضخم الأساسي وتوقعاتنا، وبافتراض أن انتقال العدوى يظل قوياً، فسنكون قادرين على الانتقال إلى مرحلة الاتصال».