كتبت: هبة شوقي
في عالم الفن، قليلون هم أولئك الذين يجسدون رحلةً تمتد بين الرياضة، الدراسة، والمسرح، ثم تصبح مرآةً لثقافة أمة بأكملها. نبيل الحلفاوي، أو كما يُطلق عليه محبوه “القبطان”، ليس مجرد فنان متميز، بل هو رمزٌ لإنسانية عميقة، مسيرة متشعبة، وعطاء لم ينضب، سواء على الشاشة أو خارجها.
ولد نبيل الحلفاوي عام 1947 في وقت كان فيه الوطن يشهد تحولاته الكبرى، بين الحلم بالاستقلال والتطلع إلى بناء دولة حديثة. نشأ وسط عائلة منضبطة ذات تقاليد قوية، حيث تعلم منذ الصغر أن الالتزام والاجتهاد هما مفتاح النجاح. منذ طفولته، ظهر شغفه بالقراءة والثقافة، متأملاً العالم بعينين تبحثان دائمًا عن الأبعد.
من الملاكمة إلى المسرح
في سن السابعة عشرة، اختار الحلفاوي رياضة الملاكمة، حيث كان بطل العالم محمد علي كلاي مثله الأعلى. وربما كان هذا الاختيار انعكاسًا لبُعد آخر في شخصيته؛ الروح القتالية والإصرار على تحقيق أهدافه مهما كانت العقبات. تلك الصلابة ستصبح لاحقًا جزءًا أصيلًا من أدواره الفنية التي تميزت بالقوة والهيبة.
بين ثلاث كليات ورحلة البحث عن الذات
لم تكن طريق الحلفاوي الأكاديمية أقل إثارة من حياته المهنية. بدأ بدراسة الهندسة، إلا أن شغفه لم يجد مكانًا في المعادلات الهندسية. انتقل بعدها إلى كلية الصيدلة، مدفوعًا برغبة عائلته التي كانت تعمل أغلبها في مجال الأدوية. لكن حتى الصيدلة لم تكن الملاذ. كانت المحطة الثالثة في كلية التجارة، وهناك، وجد ملاذه الحقيقي في المسرح.
مع اكتشافه للمسرح، تغيرت بوصلته بالكامل. التحق بمعهد الفنون المسرحية وتخرج منه عام 1970، واضعًا قدميه على طريق سيصبح فيه أحد أعمدة الفن المصري.
بدأت رحلة الحلفاوي الفنية من المسرح، حيث اختبر العمق الحقيقي للتعبير الإنساني. انتقل بعدها إلى التلفزيون، مشاركًا في سهرات درامية مثل “الشاهد” و*”العصابة”*. كانت تلك البداية المتواضعة هي ما أعدته للانطلاقة الكبرى عام 1980 في مسلسل “محمد رسول الله”.
أما في السينما، فكانت البداية بفيلم “وقيدت ضد مجهول” عام 1981، ليبدأ مسيرة من الأعمال التي رسخت مكانته كواحد من أهم ممثلي جيله. من “رأفت الهجان” إلى “الطريق إلى إيلات”, ومن “غوايش” إلى “الزيني بركات”, كانت كل شخصية يقدمها بمثابة إعادة تعريف للالتزام الفني والوطني.
دوره في “الطريق إلى إيلات” لم يكن مجرد أداء سينمائي، بل كان شهادة حب للوطن، تجسد فيه الحلفاوي كبطل قومي، ليحصل على لقب “القبطان”، الذي أصبح عنوانًا دائمًا لجمهوره.
بعيدًا عن الأضواء، نبيل الحلفاوي هو الزوج، الأب، والمثقف. تزوج مرتين؛ الأولى من الفنانة فردوس عبد الحميد، التي أنجب منها ابنهما وليد، والثانية من السيدة نادية، التي أنجب منها ابنه خالد. كلا الابنين اختارا العمل في مجال الإخراج، مما يعكس تأثير والدهما عليهما.
لكن إنسانية الحلفاوي لم تتوقف عند العائلة. كان محبًا للشعر واللغة العربية، وغالبًا ما يستخدم منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي لتصحيح المفاهيم اللغوية ومشاركة جمهوره بمعلومات قيّمة.
القبطان نبيل الحلفاوي محب النادي الأهلي
على الرغم من شهرته كفنان، كان الحلفاوي دائمًا محبًا للرياضة، خاصةً كرة القدم. انتماؤه للنادي الأهلي كان جزءًا من هويته، وكثيرًا ما كان يتفاعل مع الأحداث الرياضية عبر تعليقاته الذكية والساخرة.
في الأيام الأخيرة، واجه نبيل الحلفاوي وعكة صحية خطيرة أدت إلى دخوله المستشفى. عانى من مشاكل في التنفس ودخل في غيبوبة، مما أثار قلق محبيه الذين تدفقوا بالدعوات والرسائل المساندة.
نبيل الحلفاوي ليس مجرد ممثل، بل هو رمزٌ لحقبة فنية وإنسانية تمثل الالتزام والوعي الثقافي. حياته كانت رحلة متكاملة بين التحديات والنجاحات، بين الحلم والحقيقة، وبين الفن والواقع.
في عصر تُختزل فيه الشخصيات العامة في أدوارهم الفنية فقط، يبرز الحلفاوي كاستثناء، رجل يجمع بين البُعد الإنساني، الثقافي، والوطني، ليظل مثالًا يحتذى به للأجيال القادمة.